Sources

كان الظلام كثيفًا، يخفي معالم الغابة كأنها جزء من عالم آخر. الأشجار المتشابكة تمد أغصانها كأنها تحاول الإمساك بأي شيء يمر، والرياح تحمل أنينًا خافتًا أشبه بصوت الأرواح. وسط هذا المشهد الغامض، كان يسير رجل عجوز، عباءته السوداء تتمايل مع خطواته، وكأنها قطعة من الليل تمشي على الأرض. في يده شعلة صغيرة، نورها الوحيد يخترق عتمة الغابة، يتراقص كأنها تحيا بقوة لا تنطفئ. لم يكن العجوز يتعجل خطاه، بل يسير كأن الأرض كلها تعرف قدومه وتفتح له الطريق. في يده الأخرى، لفافة جلدية قديمة، وصية كتبها الزمن بحروف لا يفهمها إلا من يمتلك الجرأة على قراءتها. عيناه، اللتان تخفيان في أعماقهما بحارًا من الأسرار، تبحثان في صمت عن مكان يحمل هيبة اللحظة، مكان يكفي لعظمة ما يحمله بين يديه. توقف عند شجرة هائلة، جذورها تخترق الأرض كأنها تبحث عن شيء مدفون منذ الأزل. رفع الشعلة قليلًا، فتراقص نورها على ملامحه العميقة المحفورة بتجاعيد الحكمة والسنين. نظر إلى الشجرة بصمت طويل، ثم قال بصوت منخفض لكنه مشبع بقوة تهز الروح: "هذه الأرض، وهذه الشجرة... شاهدة على كل ما خفي. هنا، سيجدون ما تركته لهم، إن كانوا يستحقون. الوصية ليست مفتاحًا للراحة، بل بابًا للحقيقة، والحقيقة لا تأتي إلا لمن يملك القوة على مواجهتها." أخرج الوصية ببطء، ووضعها داخل تجويف في جذع الشجرة. وقف للحظة يتأمل الشعلة التي تحملها يده، ثم همس كأنما يخاطب العالم كله: "النور الذي تبحثون عنه ليس هدية... إنه ثمن. الوصية هنا لمن يجرؤ، لكنها لن تمنحهم إلا ما يستحقون. الطريق أمامهم، لكن القرار قرارهم." استدار ببطء، واستأنف سيره في الغابة، تاركًا خلفه شعلة أضاءت لحظة من الزمن، ووصية ستظل تنتظر من يكتشفها، ويكتشف معها الحقيقة التي قد تنقذهم... أو تهلكهم.

Podcast Editor
Podcast.json
Preview
Audio